أخبار مهمةدروس دينيةشهر رمضان المباركعاجلمقالات وأراء

الدرس الخامس والعشرون : سؤال الله الإمامة في الدين ، للشيخ عمر مصطفي

مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : للشيخ عمر مصطفي ، 25 رمضان 1444 هـ –  16 إبريل 2023م

الدرس الخامس والعشرون

سؤال الله الإمامة في الدين

العناصر

أولاً: يطلبــون الإمامـــة في الخــــــير

ثانياً : القرآن يدعونا إلي اتخاذ القدوات

ثالثاً : التربيــــــة بالقـــــدوة

لتحميل الدرس بصيغة word 

لتحميل الدرس بصيغة pdf 

 

الموضوع

الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :

أولاً: يطلبــون الإمامـــة في الخــــــير

عباد الله : مازال حديثنا موصولاً  في رحاب صفات عباد الرحمن الذين نسبهم المولي سبحانه وتعالي إلي نفسه تشريفاً وتكريماً لهم ، لأنهم هذبوا أنفسهم وطهروا قلوبهم فارتقوا في الدرجات ، ولم يكتفوا بذلك بل أرادوا أن يكونوا أئمة في الخير ليكونوا قدوة لغيرهم ، قال تعالي:  { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }(74)(الفرقان). وَاجْعَلْنا يا ربنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً  ، أى: اجعلنا قدوة وأسوة للمتقين ، يقتدون بنا في أقوالنا الطيبة، وأعمالنا الصالحة، فأنت تعلم يا مولانا  أننا نعمل على قدر ما نستطيع في سبيل إرضائك وفي السير على هدى رسولك صلّى الله عليه وسلّم.(التفسير الوسيط).

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَمْ يَطْلُبُوا الرِّيَاسَةَ بَلْ بِأَنْ يَكُونُوا قُدْوَةً فِي الدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اجْعَلْنَا أَئِمَّةَ هُدًى، كَمَا قَالَ تَعَالَى:” وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا” وَقَالَ مَكْحُولٌ: اجْعَلْنَا أَئِمَّةً فِي التَّقْوَى يَقْتَدِي بِنَا الْمُتَّقُونَ.(تفسير القرطبي).

ورأي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمُ النَّاسُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاهِلاً رَأَى هَذَا الثَّوْبَ، لَقَالَ: إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ قَدْ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الإِحْرَامِ، فَلاَ تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ.(الموطأ). وإِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ جَاهِلٌ فَيَظُنُّ جَوَازَ لُبْسِ الْمُورَّسِ وَالْمُزَعْفَرِ.(شرح الزرقاني علي الموطأ).

فعباد الرحمن  طلبوا من الله الإمامة في الخير والدين  ، ليقتدي بهم غيرهم وهو أمر محمود ، مادامت الإمامة في الخير والصلاح لا في الشر والفساد .

ثانياً : القرآن يدعونا إلي اتخاذ القدوات

عباد الله : إن القرآن الكريم إذا تتبعنا آياته وجدنا أن المولي سبحانه وتعالي يأمرنا ويدعونا إلي اتخاذ القدوات ، ويذكر في آيات أخري الكثير من النماذج العملية لنقتدي بها من الأنبياء والصالحين ، قال الله تعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم بعدما ذكر جملة من الأنبياء : {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }(90)(الأنعام).

فالله تعالى يخاطب سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم : { أولئك } يعني الأنبياء المذكورين مع من أضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان وهم الأشباه { الذين هَدَى الله } أي هم أهل الهدى لا غيرهم { فَبِهُدَاهُمُ اقتده } أي اقتد واتبع ، وإذا كان هذا للرسول صلى الله عليه وسلم فأمته تبع له فيما يشرعه ويأمرهم به .(مختصر تفسير ابن كثير).

وأمرنا الله عز وجل أن نقتدي بالنبي صلي الله عليه وسلم قال تعالي  : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }(21)(الأحزاب).

أي لقد كان لكم أيها المؤمنون في هذا الرسول العظيم قدوةٌ حسنة، تقتدون به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في إخلاصه، وجهاده، وصبره، فهو المثل الأعلى الذي يجب أن يُقتدى به، في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، لأنه لا ينطق ولا يفعل عن هوى، بل عن وحي وتنزيل، فلذلك وجب عليكم تتبع نهجه، وسلوك طريقه {لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ الله واليوم الآخر} أي لمن كان مؤمناً مخلصاً يرجو ثواب الله، ويخاف عقابه {وَذَكَرَ الله كَثِيراً} أي وأكثر من ذكر ربه، بلسانه وقلبه.(صفوة التفاسير).

وكذلك أمرنا الله تعالي أن نقتدي بالخليل إبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين ، قال تعالي: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (الممتحنة).

قد كان لكم يا معشر المؤمنين {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي: قدوة صالحة وائتمام ينفعكم، {فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} من المؤمنين، لأنكم قد أمرتم أن تتبعوا ملة إبراهيم حنيفا.(تفسير السعدي).

وقال الله تعالي : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }(6)(الممتحنة).

كرر الحث على الاقتداء بهم، فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وليس كل أحد تسهل عليه هذه الأسوة، وإنما تسهل على من {كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} فإن الإيمان واحتساب الأجر والثواب، يسهل على العبد كل عسير، ويقلل لديه كل كثير، ويوجب له الإكثار من الاقتداء بعباد الله الصالحين، والأنبياء والمرسلين، فإنه يرى نفسه مفتقرا ومضطرا إلى ذلك غاية الاضطرار.(تفسير السعدي).

ثالثاً : التربيــــــة بالقـــــدوة

 عباد الله : إن الإنسان في حياته لا يستغني عن اتخاذ قدوة يتأسي بها  وهذا شىء جبل عليه الإنسان وفطر ،ولذلك أمرنا الله بذلك ورغبنا فيه ، وذكر لنا في القرآن قصص الأنبياء والصالحين لهذا السبب ولغيره .

وإذا كنا في حاجة إلي القدوات الصالحة فأبنائنا وشبابنا أحوج لذلك  والإنسان ينتفع بعينيه أكثر مما ينتفع بأذنيه ، و من لم ينْتَفع بِعَيْنِه لم ينْتَفع بأذنه كما قيل ، فينبغي أن نعود أبنائنا الاقتداء بالصالحين  .

وأول القدوات العملية أمام الأبناء هم الآباء فينبغي أن نعرف هذا وأن نراعيه فأبنائنا أعينهم علينا في الخير والشر ، إن الكثير من الآباء لا يلتفتون لهذا ولا يراعوه .

واحذر أن تكون قدوة سيئة لأولادك ، فالأبناء يسيرون وراء آبائهم دون حجة أو برهان ، فإن كنت تسير في الخير ساروا  خلفك ، وإن كنت تسير في الشر أيضاً ساروا خلفك  .

وقد ذكر لنا القرآن قول المشركين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (الزخرف) ولهذا رد عليهم القرآن بقوله: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} (الزخرف).

وفي آية أخرى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}(المائدة).

ومما يدلنا علي أهمية القدوة الحسنة أن الِإسلام انتشر في كثير من بلاد الدنيا بالقدوة الطيبة للمسلمين التي كانت تبهر أنظار غير المسلمين وتحملهم على اعتناق الِإسلام، فالقدوة الحسنة التي يحققها المسلم  بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية الإسلام و  إلي الأخلاق الحسنة والصفات الطيبة .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ وَجْهَ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ».(مصنف ابن أبي شيبة).

فعبد الله بن سلام استدلَّ بسَمْت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووجهه المنير الكريم الذي يكون عليه أهل الصدق والأخلاق الكريمة، استدلَ بذلك على صدقه فيما يدعو إليه، صلى الله عليه وسلم.

فاللهم ارزقْنا الاقتداء بالأنبياء والصالحين وارزقنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »